نظرية الانفجار العظيم تفسير علمي لبداية الكون
تعد نظرية الانفجار العظيم Big Bang اهم محاولة علمية لتفسير اصل الوجود وبداية الكون، حيث اهتمت بتوضيح ما وقع في بداية تشكل العالم، معتمدة في ذلك على دراسات في مجال علم الفلك وعلم الفزياء. وتنبني نظرية الانفجار العظيم على فكرة ان العالم لم يكن موجودا في البداية على شكله الحالي، بل كانت مادة اولية (طاقة) كثيفة ومضغوطة وحارة جدا وصغيرة الحجم، هذه المادة تعرضت للانفجار الكبير وبدأت في التوسع وشرعت حرارتها في الانخفاض بحيث بدأت المعالم الاولى للكون في التكون. وتقدر بداية الكون بحوالي 13.7 مليار سنة اتخذ العالم خلال هذه الفترة شكله الحالي.
وتجدر الاشارة الى أن الزمان والمكان كانت بدايتهما مع الانفجار، إذ أن قبل الانفجار لا وجود لزمان ولا فضاء او مكان. فالطاقة الاولية التي كانت كثيفة ومرتفعة الحرارة هي اصل الوجود. وبعد الانفجار أخذت الطاقة في التوسع ثم بدأت حرارتها في الانخفاض وهو ما سمح بتحول الطاقة الى جسيمات متعددة اصغر من الذرة من بينها: البروتونات protons والنيترونات neutrons والالكترونات electrons، ثم شرعت البروتونات والنيترونات في التأليف والتركيب لتشكل نواة الذرة الاولى في اللحظات الاولى بعد الانفجار، غير أن الامر تطلب آلاف السنين لتلتحم الالكترونات معها وتكون بطريقة كهربائية ذرات محايدة.
لقد كان الهيدروجين هو العنصر الاول الذي تم انتاجه من تأليف الجسيمات الصغرى، الى جانب اثار من الهيليوم helium والليثيوم lithium، ثم تجمعت سحب ضخمة تتكون من هذه العناصر الاولية بفعل الجاذبية لتشكل النجوم والمجرات، بينما سيتم تركيب العناصر الثقيلة داخل النجوم او في السوبرنوفا.
وتعد نظرية الانفجار العظيم نظرية تجريبية خضعت لاختبارات متعددة جعلتها تحضى بقبول واسع في الاوساط العلمية، بحيث تقدم تفسيرا شاملا لمجموعة كبيرة من الظواهر الملحوظة. كما أن هذه النظرية تستند على ادلة كثيرة تدعمها، بحيث تم اثبات المفاهيم الاساسية لنظرية الانفجار العظيم (الانفجار، حرارة المادة الاولى، تكوين المجرات، تكوين الهيليوم ...) من خلال عدد كبير من الملاحظات والابحاث المستقلة ضمن علم الكون او الكوسمولوجيا، والتي من بينها: العناصر الضوئية، فضاء العالم المكون من موجات صغيرة، والرسم التخطيطي الذي قدمه هابل Hubble للفئة الاولى من السوبرنوفا supernovae... وبما أن المسافة الفاصلة بين المجرات تزداد تباعدا بشكل مستمر اليوم فإن ذلك يحيل على أن جميع الاشياء كانت مجتمعة في الماضي، وقد استخدمت هذه الفكرة لتفسير الكثافة القصوى والحرارة المرتفع التي كانت في الماضي. وقد تم بناء مسرعات الاجسام الكبيرة تشتمل على ظروف مشابهة لما نتج بعد الانفجار، بهدف القيام بتجارب تساهم في تطوير النظرية وتأكيدها، غير أن هذه المسرعات تمتلك قدرات محدودة للتحقق من المعلومات في مثل هذه الانظمة العالية الطاقة. وهناك القليل من الادلة والوضوح بخصوص حالة الكون قبل الانفجار، لذلك فإن نظرية الانفجار العظيم لا تستطيع ان تقدم اي تفسيرات بشأن هذه المرحلة، بينما تصف وتفسر تطور الكون بعد الانفجار.
ويعتبر جورج لوميتر Georges Lemaître أول من اقترح ما يمكن ان يصبح نظرية الانفجار العظيم فيما سماه ب" فرضية الذرة الاولية" ومع مرور الوقت فإن العلماء اتخذوا هذه الفكرة أساسا لبناء تصوراتهم الحديثة. وعموما فإن الاطار العام لنظرية الانفجار العظيم يعتمد على النسبية العامة لألبرت انشتاين Albert Einstein وعلى تبسيط الافتراضات مثل التجانس واتساق الاتجاهات في الفضاء. وقد تمت صياغة المعادلات الاساسية في هذه النظرية من طرف الكسندر فريدمان Alexander Friedmann. وفي سنة 1929 قام العالم ادوين هابل Edwin Hubble باكتشاف أن المسافة الفاصلة بين المجرات تكون متناسبة مع تحولها الى اللون الاحمر، وهي نفس الفكرة التي اقترحها لوميترLemaître سنة 1927. ولقد اشارت ملاحظة هابل Hubble للمجرات والمجموعات البعيدة إلى أنها تسير بسرعة كبيرة في اتجاه الابتعاد عن مجرتنا.
لقد كان المجتمع العلمي في البداية منقسما إلى مدافعين عن نظرية الانفجار العظيم و إلى مساندين لنظريات كونية (كوسمولوجية) اخرى. غير أن أغلب العلماء أصبحوا مقتنعين بأن نظرية الانفجار الكبير Big Bang متناسبة مع الملاحظات العلمية خاصة بعد اكتشاف اشعة الموجات الصغيرة للفضاء الكوني cosmic microwave background radiation سنة 1964، وبالخصوص حينما تم ايجاد أن طيفها (كمية الاشعاع الذي تم قياسه في طول كل موجة) يكون متطابقا مع الاشعاع الحراري الصادر عن الجسم الاسود. ومنذ ذلك الحين صاغ علماء الفزياء الفلكيين astrophysicists مزيدا من الفرضيات لحل بعض التناقضات التي نشأت عن نظرية الانفجار العظيم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق