Ads 468x60px

2012/11/18

المدرسة السلوكية تاريخها ونماذج من تطبيقاتها

المدرسة السلوكية تاريخها ونماذج من تطبيقاتها

        تعتبر النظرية السلوكية مقاربة في علم النفس تجمع بين عناصر من الفلسفة وعلم المناهج (الميتودولوجيا methodology) والتفكير النظري، حيث ظهرت منذ اوائل القرن العشرين، وجاءت كرد فعل على سيكولوجيا الوعي mentalistic psychology، والتي كانت تواجه صعوبات كبيرة في تكوين تنبؤات يمكن اختبارها اعتمادا على مناهج تجريبية صارمة. وتتمثل التصورات الاولية للنظرية السلوكية، كما تم التعبير عنها في كتابات كل من جون واطسن John B. Watson و سكينر F. Skinner وآخرون، في أن علم النفس يجب أن يركز اهتمامه على السلوكات الملاحظة (الظاهرة او البارزة) لدى الانسان والحيوان، وينبغي ألا يعير اهتماما للأمور المختفية (غير الملاحظة) التي تقع داخل عقولهم. وترى المدرسة السلوكية أن جميع السلوكات يمكن تفسيرها ووصفها علميا دون الرجوع الى عوامل فيسيولوجية physiology داخلية ولا إلى بنيات افتراضية مثل التصورات والمعقتدات.


         عرفت المدرسة السلوكية، منذ البداية الاولى لعلم النفس خلال القرن التاسع عشر ق19م، سباقا فكريا وقواسم مشتركة مع مدارس أخرى في علم النفس مثل مدرسة التحليل النفسي psychoanalytic ومدرسة الجشتالت Gestalt واستمر هذا التنافس الفكري خلال القرن العشرين، غير أن النظرية السلوكية تختلف عن فلسفة الذهن mental philosophy، التي انتجها علماء النفس الجشتالت Gestalt، في أمور حاسمة. ويمكن اعتبار قانون الاشراط التقليدي أهم الافكار المؤثرة للنظرية السلوكية، والذي يرجع الفضل في اكتشافه الى العالم ايفان بافلوف  Ivan Pavlov رغم أن هدفه لم يكن هو الدفاع عن النظرية السلوكية، حيث قام كل من ادوارد ثراندايك Edward Lee Thorndike و جون واطسن Watson برفض مناهج الاستبطان (التأمل الباطني) وعملا على توجيه علم النفس إلى مناهج تجريبية. بينما وجه سكينر Skinner ابحاثه إلى قانون الاشراط العملي (الاجرائي).

         لقد اصبحت النظرية السلوكية مغمورة نتيجة الانتشار الواسع لعلم النفس المعرفي cognitive psychology خلال النصف الثاني من القرن العشرين. ورغم أن المدرسة السلوكية وعلم النفس المعرفي لا يتفقان نظريا من حيث تصوراتهما الخاصة بعلم النفس، فإنهما يكملان بعضهما في الممارسة التطبيقة للعلاج النفسي، مثلا العلاج المعرفي السلوكي cognitive–behavioral الذي أثبت جدارته في معالجة حالات مرضية مختلفة مثل حالات الخوف البسيط (الرهاب) phobias وحالات اضطراب ما بعد الصدمة PTSD وحالات الادمان addiction. بالاضافة إلى ذلك فإن المدرسة السلوكية تسعى نحو تكوين نموذج شامل لسلوك الانسان منذ ولادته إلى وفاته. بحيث تستخدم مناهج منها التحليل السلوكي لنمو الطفل.


* محطات تاريخية مهمة:

        ليس هناك تسلسل تاريخي متفق عليه من طرف الجميع يحدد مسار تكون المدرسة السلوكية، لذلك سنركز على ذكر عناوين الفروع الكبرى التي تتشكل منها السلوكية:
- السلوكية المنهجية Methodological: ركزت السلوكية مع واطسن على تحديد موضوع الدراسة في السلوك الظاهر، ورفض القيام بدارسة الحياة الفكرية او المشاعر الداخلية، بحيث اعتبر التفكير بمثابة خطاب سري.
- السلوكية المتطرفة Radical: اعتبرت السلوكية مع سكينر متطرفة لأنها وسعت المبادئ السلوكية لتشمل العمليات التي تحدث داخل جسم الكائن الحي، ولم تكن آلية ولا اختزالية، عكس السلوكية المنهجية التي كانت لا تعتبر العوامل الفكرية ولا الحالات الافتراضية الشعورية الداخلية أسبابا للسلوك، بحيث ينبغي أن تكون الظاهرة على الاقل قابلة للملاحظة من طرف الفرد الذي يختبرها. ولقد استعمل وليام فون اورمان كوين Willard Van Orman Quine أفكارا كثيرة من السلوكية المتطرفة لدراسة المعرفة واللغة.
- السلوكية الغائية Teleological: تطلق على السلوكية التي جاءت بعد سكينر، والتي تتصف بتركيزها على الاهداف الملاحظة بدلا من التركيز على العمليات المعرفية، ولقد كانت هذه السلوكية وثيقة الصلة بالاقتصاد المصغر microeconomics.
- السلوكية النظرية Theoretical: جاءت بعد سكينر، تعتبر العوامل الداخلية القابلة للملاحظة سببا محددا للسلوك لكن تبقى انتقائية في اختيار البنيات النظرية (كان داخل جسم الكائن يعتبر غير قابل للملاحظة لكن مع وجود التكنولوجيا الحديثة اصبح بالإمكان رصده).
- السلوكية البيولوجية Biological: جاءت بعد سكينر، ركزت على وحدات ادراكية وحركية من السلوك بحيث قدمت نظرية النظم (الانظمة) السلوكية.
- السلوكية النفسية Psychological behaviorism: تعتبر اول سلوكية ركزت على دراسة سلوك الانسان مع العالم آرثر ستاتس Arthur W. Staats حيث اعتمدت مناهج مختلفة من بينها انشاء المهلة وتقنية التعزيزواساليب التحليل والاستنتاج، وساعد ذلك على اكتشاف النظرية السلوكية لدراسة سلوكات نمو الطفل والتربية والحالات المرضية والعيادية السريرية clinical، حيث صارت تعرف بالتحليل السلوكي خلال سنة 1963. لقد وضعت السلوكية النفسية الاساس للعلاج المعرفي السلوكي وقدمت النظرية الاساسية والبحوث التي توحد الاشراط  conditioning العاطفي والسلوكي. وفتحت آفاقا جديدة لتأسيس وتطبيق التحليل السلوكي behavior analysis.
     ويمكن اضافة فرعين اخرين هما:
- السلوكية الهوليانية Hullian:( نسبة الى العالم هول Clark Leonard Hull) والتي جاءت بعدها تتصف بكونها نظرية تركز على بيانات المجموعة وليست دينامية ولا فيزيولوجية.
- سلوكية الاهداف Purposive: أسسها طولمان Tolman تعتمد على توقعات سلوكية للجانب المعرفي النفسي.

تعريف السلوكية الرادكالية (المتطرفة) radical behaviorism:
         يعتبر سكينر Skinner مؤسس السلوكية المتطرفة التي تقوم على مبادئ الفلسفة التي حددتها مدرسة ابحاثه التي كانت تسمى "التحليل التجريبي للسلوك" Experimental Analysis of Behavior والتي تعرف اختصارا ب EAB. وإذا كان التحليل التجريبي للسلوك يختلف في العديد من الجوانب النظرية والمنهجية عن المقاربات التي تعتمدها الابحاث السلوكية الأخرى، فإن السلوكية المتطرفة تختلف عن السلوكية المنهجية، حيث تعتبر المشاعر والحالات الفكرية والتأمل الباطني (الاستبطان) قضايا موجودة وقابلة للمعالجة العلمية. لقد تمكنت السلوكية المتطرفة من دراسة هذه القضايا وتعريفها حينما اعتبرتها أمورا غير مزدوجة، وهنا اعتمد سكينر على منهج التقسيم والمقارنة، وكان في بعض الحالات يعتبرها أسباب أوسلوكات جسدية، بينما يعتمد على مفهوم موسع لتحليل السلوك احيانا أخرى. لكن السلوكية المتطرفة توقفت قليلا في أعتبار المشاعر أسبابا للسلوك. ويعتبر رفض الانعكاس (رد الفعل اللاإرادي) reflex كنموذج لكل السلوكات والدفاع عن علم السلوك التكاملي المستقل عن علم وظائف الاعضاء physiology احدى السمات المميزة للسلوكية المتطرفة. لقد كان هناك ارتباط بين السلوكية المتطرفة ومواقف من الفلسفة الغربية مثل النفعية (البرجماتية) الامريكية American pragmatism.

* الابتكارات التجريبية والمفاهيمية:
       اكتسب هذا الموقف الفلسفي أساس قوته من أعمال سكينر التجريبية المبكرة التي قام بها على الفئران والحمام، والتي لخصها في كتبه: "سلوك الكائنات الحية" و "جداول التعزيز"، وتعتبر الاستجابة الاجرائية operant response من أهم المفاهيم التي تتكون منها نظرية سكينر الذي اعتمد فيه على مثال رفع ضغط الفأر rat's lever-press، فعلى العكس من تصورات علم الفيسيولوجيا والاستجابة الانعكاسية فإن الاستجابة الاجرائية بمثابة صنف متميز بنيويا ولكنه منسجم وظيفيا. فمثلا إذا كان الفأر يستطيع أن يضغط على رافعة التيار سواء بواسطة مخالبه اليمنى او اليسرى او بواسطة ذيله، فإن كل هذه الاستجابات تقع بنفس الطريقة وتترتب عنها نفس النتائج. بينما يتم التفكير في الاستجابة الاجرائية كاستجابة نوعية، حيث يختلف الافراد لكن يبقى الصنف منسجما في نتائج وظائفه المشتركة، على مستوى الطرق الناجحة في التكاثر والاجراءات العملية الخاصة بنفس النوع. وهنا يبرز الاختلاف الكبير بين نظرية سكينر ونظرية المثير-إستجابة S–R theory.

        تم توسيع الاعمال التجريبية التي قام بها سكينر في ابحاثه المبكرة  حول التعلم من خلال المحاولة والخطأ trial-and-error learning من طرف مجموعة من الباحثين أمثال ثراندايك Thorndike وغوتري Guthrie عن طريق اعادة صياغة المفاهيم الاساسية، حيث تم التخلى  عن فكرة ثراندايك الخاصة باشتراك او اتصال التحفيز بالاستجابة stimulus–response وكذلك طرق الارتباط المنهجية التقليدية، 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق